الفارق الجوهري بين الإنسان والحيوان هو قدرة الفرد على اختزان خبرات الأجداد وإضافة تجاربه الخاصة في الحياة لينتجان معا موروثا جديدا لجيل مميز ومتفرد يأكل ويشرب وينام ويعبر ويفكر بطريقة مختلفة.. وهكذا تتعاقب وتتفاوت الأجيال كسنة الحياة وبديهة الزمان .
لدينا جيل درج طفلا ينام تحت تهديد أمه له بالعفاريت وأساطير أمنا الغوله،ولم تفارق الفَلَكَة ذاكرته حين شب عن الطوق في كُتّاب شيخه،ثم تلقى تعليمه على أنغام القرع بالعصا وسيمفونية الصفع على القفا وتمرين وِشّك في الحيط وارفع ايدك فوق ، ثم كان موظفا ملتزما بالوصايا العشر التي حتّمَتْها دستة العيال وأنات أم العيال؛ فمشى جنب الحيط، وكان له وِدْن من طين وأخرى من عجين، وتزلف للمدير، وهتف للزعيم، وفش غله في لعب الطقشه حيث ترص الحجارة عمودية ثم يصوب حجرا عليها ليصيبها وينقضها رأسا على عقب …
جيل الطقش هذا_ إلا مارحم ربي _ قُتلت فيه الشجاعة، وترعرع على الخنوع، وانكمشت كرامته؛ فعَدّ الصبر على الظلم دينا، والخروج على السلطان كبيرة.
لدينا جيل آخر؛ نام على سرير هزاز، وذهب للحضانة بالباص، ولم يجلده شيخه في الكُتَّاب، ولم يعْبِطْه مُدرسِّه أمام الأقران، وخرج في مظاهرات لإسقاط رئيس جامعته، وملأ الدنيا صياحا على صفحات التواصل الإجتماعي مبديا رأيه ومطالبا بحقوقه، ورأى بأم عينيه زعامات تتهاوي كقطع الدومينو …
هذا جيل التتش الذي يتنفس حرية ويأكل كرامة ولن تقهره البياده.